بعد عدة درجات من السلم داخل مركز القاهرة للكبد، كان الدكتور عبدالرحمن الزيادي في استقبالي، وقبل دخولنا مكتبه استوقفتني للحظات لوحة داخل المركز، قال عنها الدكتور الزيادي إنه أتي بها عام ٧٤ من فنلندا في أحد المراكز الطبية هناك، وهي لوحة تعبر عن أهمية العمل الجماعي، لذلك أصر علي الحصول عليها،
ونظراً لمكانته العلمية، أهدوه اللوحة التي ظهر فيها حماران مربوطان ببعضهما ووضع علي يمينهما ويسارهما بمسافة كومتين من البرسيم، وتظهر اللوحة كيف أن محاولات كل حمار باءت بالفشل عندما حاول الوصول إلي كومة البرسيم القريبة منه، لأن الآخر كان يشد في الاتجاه العكسي ليحصل هو الآخر علي الكومة القريبة منه،
وهنا توقف الحماران وقررا أن يعملا سوياً، فذهب الاثنان يميناً والتهما الكومة الموجودة علي اليمين، ثم اتجها يساراً لالتهام الأخري، ورغم انبهاري بالفكرة ووقوفي صامتة للحظات أمامها، إلا أن الدكتور الزيادي قطع صمتي بتعليقه القاسي قائلاً: احنا في مصر لم نصل حتي إلي درجة تفكير هذين الحمارين.
وهكذا لخص الدكتور الزيادي حال الطب في مصر، بل وحال كل المؤسسات، ودخلنا مكتبه أو كما يطلق عليه صومعته التي يشعر داخلها بالدفء، وهو محاط بدراساته وأبحاثه وكتبه داخل أهم مركز متخصص في علاج وبحث ودراسات أمراض الكبد في مصر.
عبدالرحمن الزيادي ليس فقط طبيباً محترفاً واستشارياً لأمراض الكبد والجهاز الهضمي في جامعة عين شمس، ولا مجرد عالم حقيقي، بل هو من أهم الباحثين في مجال الفيروسات الكبدية ونشرت أبحاثه في الخارج، ولا تقتصر شهرته علي كونه عضواً في أهم الجمعيات الأمريكية والأوروبية المعنية بأمراض الكبد.. إنه أهم من ذلك بكثير، فهو ابن كفر الشيخ الذي قرر التخصص في أمراض الكبد لوقف نزيف دماء أهل قريته بسبب البلهارسيا،
ولم يكن يعلم وقتها أنه سيصادف الفيروسات والأورام الكبدية التي تعد أشد فتكاً بأهل بلده، إنه المواطن الذي أصيب بجلطة وشلل نصفي عندما رأي مذبحة جنين علي شاشة التليفزيون، وهو الطبيب الذي قرر أن يكون بين أيام الأسبوع أيام علاج مجانية للفقراء فقط، وهو الباحث الذي كرس سنوات طويلة من عمره وجهده وماله لاكتشاف بديل علاجي رخيص الثمن لمرضي الكبد، ممن يقفون علي أبواب التأمين الصحي بالآلاف كل يوم بلا جدوي، ليبدأ رحلة البحث والاستكشاف التي لم تنته بعد، والتي حدد لها زمناً ينتهي برحيله عن هذه الدنيا.
رغم توقعه أننا سنبدأ بالحديث عن أمراض الكبد، وهو ربما ما جعله يعطيني نسخاً من آخر أبحاثه، إلا أنني فاجأته بقولي: إنني مؤمنة بأن كل إنسان مبدع كان نتاج مواقف قاسية خلقت منه إنساناً متميزاً، فهل تود الحديث عن الماضي؟
صمت للحظات قبل أن يصدمني بالظلم الذي شهده يوماً ما قائلاً: أنا تخرجت في كلية طب قصر العيني عام ١٩٦٤، وعندما كنت نائباً في المستشفي، والكل يعلم أن النواب من أوائل الدفعة، كان يعمل تحت يدي طبيب امتياز لكنه ابن مسؤول فوجئت بعد تعييني في مستشفي عين شمس بأنه تم تعيينه في جامعة عين شمس بواسطة كبيرة، رغم أنه غير كفء، ولم يكن من الأوائل،
وعندما دخلنا امتحان الدكتوراه أعطوه الدكتوراه قبلي، رغم أنني أقدم وأكثر كفاءة منه، لذا شعرت بظلم كبير، ولك أن تتخيلي شخصاً كان يأخذ إرشاداته وأوامره مني، ثم يصبح رئيسي ويتخطاني في السلم الوظيفي، هذا شيء في منتهي القسوة في العمل الجامعي، وأعتقد أن هذه هي نقطة التحول في حياتي التي دفعتني لمزيد من التحدي وكان لها الفضل في تغيير طريقة تفكيري لأنني اكتشفت أنه في مصر يمكن بسهولة امتلاك المركز،
لكن لا يمكن امتلاك العلم، فبدأت أفكر في العلم والبحث، ولم يعد المركز يشغل بالي، وقد علمني الدكتور أنور المفتي وكان بروفيسوراً في الجهاز الهضمي وشخصاً حكيماً أقرب إلي أن يكون موسوعة علمية متحركة أن وصولي إلي أعلي الدرجات العلمية، وتفوقي في مجالي سيجعل المال والمركز يجريان خلفي، وبالمناسبة أنور المفتي هو الذي قال: إن الرئيس جمال عبدالناصر لديه داء العظمة، ويقال إن عبدالناصر لهذا السبب كان خلف عملية قتله بالسم.
رغم فقره وحاجته إلي المال، إلا أنه عندما جاءت فرص السفر للخارج لبعض الأطباء بالجامعة اختار أغلبهم السفر إلي السعودية وليبيا لجلب المال، واختار الدكتور عبدالرحمن الزيادي السفر إلي ألمانيا، وأنفق كل ما لديه من مال، بل واستدان من أجل الحصول علي العلم، وعمل آنذاك طبيباً زائراً في وحدة مناظير الجهاز الهضمي بكلية طب أيرلانجن ثم بمستشفي بادكانشتات في شتوتجارت بألمانيا، ثم عمل باحثاً في وحدة الكبد في مستشفي الكلية الملكية بلندن، بجانب التدريب الإكلينيكي علي أمراض الكبد المختلفة تحت إشراف البروفيسور روجر ويليامز الخبير العالمي،
وهو الطبيب الذي كان مشرفاً علي حالة الفنان عبدالحليم حافظ والذي حضر إلي مصر أكثر من مرة وزار المركز، وأشاد بأدائه، ولكن يبقي أكثر ما ساهم فيه الدكتور الزيادي في هذا المجال هو تأسيسه لوحدة المناظير بجامعة عين شمس عام ١٩٧٥، وهي الوحدة التي ترأسها وأجري خلالها عدداً من الأبحاث المهمة حتي أصبح رائد مناظير الجهاز المراري واستخداماته العلاجية، وهو فرع لم يكن معروفاً في مصر آنذاك، وهنا سألته:
.. بماذا تصف حال الكبد المصري؟
- الكبد المصري في خطر شديد، فهو يواجه مجموعة من الأمراض الخطيرة التي يؤدي عدد منها إلي الوفاة، علي رأسها فيروس «سي» الذي لم يكتشف له علاج نهائي إلي الآن، وفيروس «ألف» و«هاء» وهما اللذان ينتقلان للإنسان من عدم نظافة المأكل والمشرب ولهما خطورة شديدة علي الإنسان، خصوصاً «هاء» فهو يشكل خطراً بالغاً علي الأطفال، لأنهم الأقل في المقاومة، وله تأثيرات أشد علي الحوامل، قد تؤدي إلي سقوط الجنين، كما يعاني الكبد المصري من التليفات، وتدهن الكبد الناتج عن السمنة المفرطة التي تؤدي بمساعدة بعض العوامل إلي سرطان الكبد.
.. وهل نسب سرطان الكبد في مصر عالية، أم أن المؤشرات مازالت مطمئنة؟
- يجب أن يعلم الناس أن سرطان الكبد الأولي أصبح من أخطر الأمراض علي سطح الأرض، وتشير الإحصائيات إلي أن هذا المرض تسبب في وفاة مليون شخص علي الأقل كل عام في جميع أنحاء العالم، فهو الأكثر شيوعاً بين الرجال، عنه في النساء، ونادراً ما يحدث سرطان الكبد الأولي في كبد سليم، ولكن في الأغلب يصيب الكبد المتليف، ولأن نسب تليف الكبد عالية في مصر لذا ارتفعت نسب الإصابة بالسرطان، وفي معظم الحالات تكون الحالات صامتة ولا تصاحبها أية أعراض ولكنها تكتشف مصادفة.
.. وما هي أسبابه؟
- ٧٠% من أسباب سرطان الكبد هو فيروس «سي» ويأتي بعده فيروس «ب»، بالإضافة إلي السموم البيئية التي تحيط بالإنسان وعلي رأسها سم الأفلاتوكس، الذي تفرزه الفطريات التي تنمو علي الفول السوداني والقمح والأرز والذرة، خصوصاً إذا كانت محفوظة في درجة حرارة ورطوبة عالية، بل وعلي بذرة القطن التي ترمي في العراء بعد الحلج، فتتعرض لدرجات الحرارة والرطوبة، فيتكون عليها الفطر المسبب لسم الأفلاتوكس فيقشرونها ويصنعون منها الزيت الحامل للسم، ثم يأخذون القشر ويصنعون منه علفاً للحيوانات، فيدخل الأفلاتوكس في اللحم واللبن الذي نتناوله،
والأخطر أن هذه المادة لا تضيع بالطبخ ولا بالغلي، بالإضافة للتعرض للأبخرة الناتجة عن تصنيع مادة البلاستيك، وهو ما يؤدي إلي الإصابة بسرطان الكبد الدموي، واستخدام المبيدات الحشرية مثل الزرنيخ والـ«دي دي تي» المحظورة عالمياً، وللأسف مازلنا نستخدمها هنا، وأيضاً الاستعمال طويل المدي للهرمونات الذكرية، وقد أثبتت الدراسات أن الثنائي الشهير، التدخين والكحول، إذا اجتمعا فهما يتعاونان في إحداث سرطان الكبد.
.. قلت إن لديك دراسة ربطت بين التدخين وسرطان الكبد، فما تفسير تضرر الكبد بالتدخين، رغم أنه بعيد عن القنوات التي يمر بها الدخان؟
- من المعروف أن التدخين يقلل تركيز الأوكسجين في الدم، ويزيد من تركيز أول أوكسيد الكربون، مما يؤدي إلي حرمان خلايا الجسد من الأوكسجين، وهو ما يعطي الإحساس باختناق الأنسجة، لذا يسارع نخاع العظم إلي إنتاج كريات الدم الحمراء بكثافة عن المعدل الطبيعي، مما يزيد من لزوجة الدم مسبباً انسداد الشعيرات الدموية الدقيقة في القلب والمخ والأطراف، وعندما تتحلل كريات الدم الحمراء بعد انتهاء عمرها الافتراضي يزداد معدل الحديد وحامض البوليك في الدم،
وينتج عن ذلك ترسب الحديد في الكبد مما يؤدي إلي إصابته بالسرطان، وفي بحث أجريناه في مركز القاهرة للكبد اتضح أن التدخين بشراهة يؤدي إلي أعراض تشبه النقرس أي زيادة عنصر الحديد في الدم، وترسبها في الكبد مما يؤدي إلي إصابته بالالتهاب الكبدي الذي يتطور إلي تليف قد يتحول في النهاية إلي سرطان في الكبد، كما لوحظ علي مرضي الكبد من المدخنين بشراهة أنهم يشكون من أعراض متشابهة مثل صهد في الوجه وسخونة باليدين والشعور العام بالتعب والإرهاق وصداع وشعور بشكشكة في الجسم وآلام في العظام والمفاصل، وارتفاع في ضغط الدم وزيادة في إنزيمات الكبد، وتتحسن جميع هذه الحالات بسحب من ٢٠٠ إلي ٣٠٠ سم من دم المريض بشكل دوري بالإضافة للحد من تناول الأطعمة الغنية بالحديد مثل الكبدة واللحوم الحمراء والعسل الأسود والسبانخ والجرجير.
.. هل يمكن لمريض فيروس سي أن ينجو منه يوماً ما؟
- إذا ما اكتشف في المراحل الأولي فقط، ولكن لأنه مرض صامت لا يكتشف في مراحله الأولي إلا نادراً وأغلب الحالات تكون في مراحل متأخرة.
.. هذا يعني أن الناجين نسبة ضعيفة؟
- إلي حد ما! ولكن هناك من نحاول أن نجعلهم يتعايشون مع المرض لفترة أطول دون أن يتحول ذلك إلي سرطان كبدي، لا قدر الله.
.. وما أعراض هذا المرض؟
- في المراحل المتأخرة يكون هناك استسقاء ودوالي مرئ.. وغيبوبة كبدية.
.. هل تقصد بحديثك هذا أن هذا المرض ليس له علاج يقضي عليه؟
- لا، وكل الأدوية لا تتخلص من الفيروس نهائياً، ربما لأننا لا نعرف أسبابه الحقيقية إلي الآن لذا - بديهياً - لن يكون العلاج فعالاً بشكل نهائي.
.. إذن ما وسائل علاجه وما الذي تقصده باكتشاف علاج رخيص الثمن له؟
- صنفت الدراسات المختلفة أنواع فيروس سي المنتشرة عالمياً إلي أربع سلالات وقد عرفت السلالة المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط بأنها سلالة سيئة لاستجابتها البطيئة للعلاج، لذا اتفق علمياً علي علاجها بالانترفيرون المركز طويل المدي لمدة عام، وهو علاج مكلف للغاية لأن العلاج بهذه الحقنة لمدة ٦ أشهر فقط يكلف المريض ٤٠ ألف جنيه أي ٨٠ ألف جنيه في السنة ولكنه يأتي بنتائج تصل إلي ٥٥% لذا قررت أن أجري مجموعة من الأبحاث للتوفير علي المريض فاستطعت دعم الانترفيرون العادي الذي كانت تصل نتائجه إلي ٢٠% فقط بمجموعة من الأدوية الأخري رخيصة الثمن فجاءت النتائج بفاعلية ٣٠%،
وهي نتيجة جيدة وموفرة، ولكن بعد الوصول إلي هذه النتيجة سألت نفسي: وماذا لو أن المريض لا يستطيع حتي شراء الانترفيرون العادي؟ فكان علي أن أبحث عن بديل آخر ووصلت إلي إعطاء المريض مجموعة من الأدوية تعمل علي إخماد التهاب الكبد وإبطاء عمله، لأن الالتهاب قد يتحول إلي تليف ومنه إلي سرطان، وبذلك أكون أخرت كثيراً تعرض المريض لهذه المراحل، وهنا نراهن علي دعم الجهاز المناعي الذي يساعد علي مقاومة الجسد للفيروس. وتعد مصر من أعلي الدول الحاضنة للمرض، لكن إلي الآن لم يكتشف علاج يقضي عليه نهائياً والأغرب أننا لم نعرف أسبابه الحقيقية بعد.
.. هل هناك نوعية معينة من الطعام تصيب بأمراض الكبد؟
- طبعاً تناول النشويات والدهون بشكل زائد دون حرقها مما يؤدي إلي تدهن الكبد، وبالتالي الالتهاب والتليف والسرطان.
.. دخلت إلي إحدي عيادات الدجالين بصحبة أحد أصدقائي بعدما ادعينا مرضه بفيروس سي، وعجز الأطباء عن شفائه.. فقرر الدجال علاج صديقي بالحمام وأثناء وضع الحمامة علي بطنه، وفي حركة سريعة ضغط الدجال علي أضلع الحمامة بقوة فتكسرت فماتت في الحال، فأخبر الدجال صديقي بأن المرض خرج من جسده وامتصته الحمامة وماتت».. هذه القصة رواها لي الدكتور عبدالرحمن ليؤكد لي وللجميع خرافة العلاج بالحمام بتجربة شخصية وهنا سألته: وماذا لو عجز الطب التقليدي عن شفاء المريض؟
- في تقديري، لا يوجد بديل إلي الآن للانترفيرون، الذي ربما لا يتخلص من الفيروس تماماً، ولكنه علي الأقل يؤدي إلي الحد من انتشاره، ويعمل علي انحسار التهاب الخلايا الكبدية وعودة إنزيمات الكبد إلي معدلاتها الطبيعية، وكل ما يتم الاستعانة به الآن يكون مكملاً للعلاج بالانترفيرون، وليس بديلاً عنه.
.. ولكن هناك كثيراً من المراكز العلمية تستخدم الطب البديل وطب الأعشاب في علاج فيروسات الكبد كاستخدام اليابانيين للجلسريزين الذي يستخرج من نبات العرقسوس، وفي ألمانيا يستخدمون جذور العرقسوس ومسحوق عيش الغراب، ثم بماذا تفسر إنشاء منظمة الصحة العالمية قسماً خاصاً للطب البديل لمكافحة أمراض هذا القرن؟
- كلها أعشاب لم يثبت فاعليتها الأكيدة في القضاء علي المرض، فهي مازالت في طور البحث وتبقي فاعليتها كمواد طبيعية مضادة للأكسدة، وهو ما يساعد علي تأخير نمو المرض، وأنا عن نفسي لا أرفض الطب البديل بل أدعو الباحثين والدول لدعمه للقضاء علي ما نشهده من أمراض كثيرة لم يتوصل العلم لعلاج لها بعد، ولكنني ضد الخرافات مثل العلاج ببول الجمل أو بالحمام أو ما شابه ذلك.
.. ولكن مؤيدي العلاج بالحجامة وبول ولبن الإبل يؤيدون فكرهم بأنه من الطب النبوي، ولم يكن النبي مروجا للخرافات؟
- الأمر ببساطة أن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يوظف المتاح والمتوارث والمتعارف عليه من العلاجات السائدة في عالمه، والسؤال الآن ماذا لو أن الله منّ علي عباده بعلاجات أكثر فاعلية، وأكثر قبولاً عند الناس من بول الجمل؟ هل نترك هذه العلاجات ونعود لبول الجمل تحت زعم أنه طب نبوي؟ إننا نري أن أدعياء الطب النبوي والمتاجرين به أخذوا من هذا الطب اسمه وأفرغوه من محتواه بما يتفق مع أهوائهم ومصالحهم.
أما الحجامة فهي عملية مختلفة، ولها أصول تراثية ونبوية بالفعل، فهي تعتمد علي عملية خدش الجلد مما يحدث استنفاراً لجهاز المناعة، ويساعد علي مقاومة الجسم للأمراض، ولكن قيام عدد من الحلاقين والعشابين - في أماكن غير مخصصة للعمل الطبي - بها يجعل منها عملية في منتهي الخطورة علي المريض، وعلي من حوله إذا لم يتم التخلص من دم المريض المصاب بالفيروس بشكل جيد، وأنا أعتقد أن تزايد عدد المصابين بفيروس سي وتواضع نتائج العلاج بالإنترفيرون وما صاحبه من آثار جانبية وارتفاع سعره دفع المريض إلي تصديق الشائعات والخرافات والبحث عن وسائل أخري بديلة.
<وماذا عن العلاج بلدغات النحل؟>- تعتمد فكرته أيضا علي تحفيز الجهاز المناعي عن طريق دخول جسم غريب لجسم الإنسان، مما يزيد مقاومته للأمراض، وسم النحل به ما يقرب من ١٥٠ مادة، منها ما هو ضار، وما هو مفيد، وقد يسبب تهيج الجلد وتورمه في مكان اللدغ إلي جانب بعض أنواع الحساسية منه لدي بعض المرضي، وقد تمكن العلماء المصريون بالشركة القابضة للأمصال الحيوية واللقاحات من استخلاص ٤ مواد مفيدة في تحفيز الجهاز المناعي للجسم، وتحقن تحت الجلد ومازالت الأبحاث جارية حول هذا الموضوع إلي الآن، ولم تصل لنتائج محددة بعد.
.. وماذا عن العلاج بالأوزون الذي أصبح علاج الصفوة؟
- الأوزون ما هو إلا منشط عام للجسم، ويعمل أيضاً علي تحفيز المناعة عن طريق تفتيح مسام الجلد وتعريضها لتيار من الأوزون أشبه بعمليات البخار والساونا، لكنه لا يقضي علي المرض.
.. إلي أي مرحلة وصلنا في عمليات زراعة الكبد في مصر؟
- نحن متأخرون في زراعة الكبد كثيراً، ليس فقط عن الدول الأجنبية، ولكن عن الدول العربية، وذلك للحملة التي قادها بعض المتشددين علي نقل الأعضاء في مصر، ومن ضمنها الكبد، ووصفها بأنها حرام شرعاً للإشكالية التي كانت مطروحة وقتها والخلاف حول هل المخ يكون وقت نقل العضو ميتاً أم مازال حياً إلي آخره، ورغم أن السعودية أكثر التزاما منا بالشعائر الدينية فإنها بدأت قبلنا بكثير في إجازة نقل الأعضاء وتفوقت في زراعة الكبد بعكس مصر التي لجأ الأطباء فيها إلي الزراعة الجزئية للكبد،
أي الحصول علي فص من متبرع وزراعته في جسد المريض. ومن رحمة الله علينا أن الكبد سريع النمو فإذا تلقي المريض العلاج المناسب في خلال ثلاثة أشهر ينمو الفص ويأخذ شكل وحجم الكبد الطبيعي وهذا ما بدأ الأطباء في الخارج اللجوء إليه لقلة المتبرعين بالكبد الكامل، رغم وجود ثقافة التبرع لديهم والتي تظهر جلية في عدد من الدول الأوروبية، حيث يرتدي الكثير من شباب هذه البلدان سلاسل مكتوباً عليها أوافق علي التبرع بأعضائي، إذا ما وقع له حادث أو فاجأه الموت في أي لحظة، فما بالك بصعوبة الأمر هنا في مصر ونحن ليس لدينا أي ثقافة تبرع، حتي التبرع الجزئي في مصر يواجه صعوبات شديدة منها: من هو المتبرع؟ ولماذا سيتبرع؟
وهل هناك تطابق في فصيلة الدم والأنسجة بين المريض والمتبرع أم لا؟ فالمسألة ليست سهلة كما أنه بدأ يوجد تخوف من أن يتحول الأمر إلي بيزنس، كما حدث من قبل وازدهرت تجارة الكلي، وأصبحت الناس تبيع الكلي لتجاوز الضغوط الاقتصادية والفقر الشديد، ولك أن تعرف أن أشهر دولة في زراعة الكبد الآن هي الصين حيث تزرع الكبد بما يعادل ربع تكلفتها في أوروبا وأمريكا، فزراعة الكبد تتكلف في أوروبا وأمريكا ٣٠٠ ألف دولار، بينما يجريها الصينيون بـ٧٠ ألف دولار فقط، والنتائج حتي الآن تشير إلي أنها عمليات ناجحة.
.. وما نسبة نجاحها في مصر؟
- تصل إلي ٧٠%، لكنها زراعة جزئية كما قلت.
.. هل تؤثر هذه العملية علي الحياة الطبيعية اليومية للمريض بعدها؟
- إلي حد ما، والأخطر أنه يظل أربع سنوات يتناول مثبطات للمناعة، حتي لا يلفظ الجسد العضو المزروع، وهذا يعرض المريض لأمراض كثيرة، نظراً لقلة المناعة في الجسد.
.. وكيف تري حال الطب عموماً في مصر؟
- ينهار.. فماذا نتوقع من بلد ينفق فيه ٩ مليارات جنيه علي الأمن و ١.٦مليار علي الصحة.. للأسف الطب في مصر تحول إلي نظام رأسمالي من يملك المال يعالج ومن لا يملك يموت.
.. وماذا عن التأمين الصحي؟
- ليس هناك تأمين صحي حقيقي فهو ضعيف للغاية والسيناريو يتم فيه كالآتي: تذهب وزارة الصحة للتعاقد مع عدد من شركات الأدوية علي إنتاج أدوية ضعيفة للغاية ورخيصة الثمن لضعف فاعليتها، وأغلب الناس الذين يحصلون علي هذه الأدوية للأسف ننصحهم بعدم تناولها، لأن فاعليتها أقل، فهم يعتمدون علي سياسة الكم وليس الكيف، وهو ما يسمي إهدار المال العام، وكان يمكن لهم بدلاً من صرف أربعة أنواع رديئة للمريض وصف نوع أو اثنين فقط بفاعلية عالية مع المرض، لذا تجد كثيرين من الناس يلجأون إلي عمل تأمين صحي لدي شركات خاصة لضمان كفاءة العلاج،
والأخطر من وجهة نظري هو ظاهرة العلاج علي نفقة الدولة التي انتشرت في السنوات الأخيرة، فكل من له قريب أو جار عضو في مجلس الشعب يأتي له بتأشيرة من وزير الصحة للعلاج علي نفقة الدولة، والسؤال هنا: لماذا هؤلاء فقط هم الذين يعالجون علي نفقة الدولة؟ ولماذا لا نحسن الوضع العام للتأمين الصحي بدلاً من العلاج بالواسطة، فالتعليم والصحة هما جناحا الحمامة، فلو أن الشعب جاهل وعليل بماذا ستفيده الديمقراطية أو الأمن أو ما شابه ذلك؟