و قد أجمع السائرون إلى الله أن القلوب لا تعطى مناها حتى تصل إلى مولاها و لا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة و لا
تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير نفس دوائها و لا يصح لها ذلك إلا بمخالفة هواها ، و هواها مرضها ، و شفاها مخالفته،
فإن إستحكم المرض قتل أو كاد و كما أن من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه فكذا يكون قلبه فى هذه الدار فى جنة عاجلة لا
يشبه نعيم أهلها نعيما البتة بل التفاوت بين النعيمين كالتفاوت بين نعيم الدنيا و الاخرة و هذا الأمر لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا و
هذا و لا تحسب قوله تعالى ( إن الأبرار لفى نعيم و إن الفجار لفى جحيم ) مقصور على الآخرة و جحيمها فقط بل فى دورهم الثلاثة هم
كذلك أعنى دار الدنيا و دار البرزخ و دار الآخرة فهؤلاء فى نعيم و هؤلاء فى جحيم و هل النعيم إلا نعيم القلب و هل العذاب إلا عذاب
القلب و أى عذاب أشد من الخوف و الهم والحزن و ضيق الصدر و إعراضه عن الله و الدار الآخرة و تعلقه بغير الله ، فكل من أحب شىء
غير الله عذب به ثلاثة مرات فى هذه الدار ، فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه و
فواته ، فإذا سلبه إشتد عليه عذابه ، فأين هذا العذاب من نعيم من يرقص قلبه طربا و فرحا و أنسا بربه و إشتياقا إليه و إرتيالحا بحبه و
طمأنينة بذكره ؟ حتى يقول بعضهم فى حال نزعه و إحتضاره : واطرباة و يقول الآخر : إن كان أهل الجنة فى مثل هذا الحال إنهم لفى
عيش طيب ، و يقول الاخر : مساكين أهل الدنيا خرجوا منها و ما ذاقوا لذيذ العيش فيها ، و يقول الآخر : لو علم الملوك و أبناء الملوك
مانحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف و ، و يقول ألآخر : إن فى الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ( فهل منا من دخل جنة الدنيا )
و الذى لا إله غيره أحيانا عندما يلتزم الواحد منا بطاعة الله و يقترب منه و يحافظ على صلاة الفجر فى جماعة يشعر بمشاعر لا وصف لها
، يشعر بانه يطير و لايمشى من السعادة فمن منكم ذاق هذا الإحساس