يتكون الركن المادي في الجريمة من عناصر ثلاث،فعل ونتيجة وعلاقة سببية تربط بينهما،والفعل في
الركن المادي للسرقة هو الأخذ أو الإختلاس ويقصد به "الإستيلاء على الحيازة الكاملة بدون رضاء المالك أو الحائز
السابق"،أما النتيجة الإجرامية مفهومة كأثر لهذا السلوك في العالم الخارجي"فهي حركة إنتقال الحيازة الكاملة والإستيلاء
عليها،وهكذا يجتمع في فعل الإختلاس السلوك والنتيجة وعلاقة سببية بينهما،إذ تكاد تعاصر النتيجة السلوك ويتزاوج
العنصران داخل علاقة سببية.ولا تنفصل النتيجة عن الفعل إلا في حالة الشروع أو المحاولة كما يسميها المشرع
العماني،ولبيان الركن المادي في جريمة السرقة يتعين أن نتناول بالبحث ثلاثة مواضيع أولاً بيان فعل الأخذ أو الإختلاس
وثانيا لعناصره وثالثا تمام الإختلاس والشروع فيه.
الفرع الأول:تعريف الأخذ أو الإختلاس:
ن إختلاس المال في حالة السرقة هو العنصر الأساس الذي يقوم عليه البنيان القانوني لهذه
الجريمة،فالإختلاس هو النشاط الغير مشروع الذي يؤدي إلى سيطرة الجاني على الشيء المسروق والظهور عليه بمظهر
المالك.ولتحديد مفهوم الإختلاس وبيان ماهي اللحظة التي يتم فيها هذا العنصر الجوهري ،فإن الفقه قد بذل مجهودات كبيرة
لتحديد مفهومه وقد ظهرت نظريتان:الأولى تضيق من نطاق الإختلاس وتعرف بالنظرية التقليدية،والثانية توسع من نطاقه
ليشمل كافة الصور التي يسعى فيها الجاني إلى تملك مال الغير بطريق غير مشروع وتعرف بالنظرية الحديثة .وسوف
نتناول هاتين النظريتين بإختصار في فرضين متتاليين:
]color=darkred]
الفرض الأول :النظرية التقليدية:[/color]
عرف الفقه التقليدي الإختلاس بأنه"نزع الشيء أو نقله أو أخذه دون رضاء مالكه بقصد تملكه"وهذا
التحديد لمعنى الإختلاس يميز بين السرقة وكلا من جريمتي إساءة الأمانة والإحتيال،فإذا كان الجاني في جريمة الإحتيال
يحتال على المجني عليه فيسلمه الأخير المال برضاه.كما أن الجاني في جريمة إساءة الأمانة يكون قد تسلم المال من
المجني عليه بموجب عقد من عقود الأمانة،فإن الجاني في جريمة السرقة لا يتسلم المال المسروق من المجني عليه وإنما
ينتزعه ويأخذه أو ينقله من حيازة المجني عليه إلى حيازته دون رضاء الأخير .
وبالرغم مما سبق فإن تحديد معنى الإختلاس وفقا لمفهوم هذه النظرية قد أظهر قصورا وأدى إلى نتائج خطيرة،وعلى سبيل
المثال إذا كان الجاني قد تسلم المال من المجني عليه لمجرد رؤيته فاستولى عليه،فإنه لا يسأل عن السرقة،لأن الجاني وفقا
للنظرية التقليدية لم ينتزع المال من صاحبه ولم يأخذه،كما هو الحال حين يقوم البائع بتسليم المشتري المال لمن يرغب
بشرائه كي يطلع عليه قبل الشراء،فيغتنم الفرصة ويهرب بالمال.فإن فعله لا يعد سرقة .وإزاء هذه الثغرة إلتجأ أصحاب هذه
النظرية إلى القول بفكرة التسليم الإضطراري والتي تقول بأن تسليم الشيء الذي تقتضيه ضرورة التعامل بين الناس لا
يمنع قيام الإختلاس،فإذا سلم البائع المشتري شيئا ليعاينه ويقرر شراءه من عدمه وهرب به دون أن يدفع الثمن،فإن هذا النوع
من التسليم تفرضه ضرورة التعامل بين الناس ولذلك يعتبر تسليما إضطراريا فلا يمنع من قيام فعل الإختلاس
.
وقد أخذ على فكرة التسليم الإضطراري إنها لا تقوم على أساس قانوني سليم.فليس هناك في الواقع ظروف قهرية أو
ضرورية بالمعنى القانوني الدقيق تكره الإنسان أو تضطره إلى تسليم ماله رغم إرادته .وفضلا عن ذلك فإن فكرة ضرورة
التعامل فكرة واسعة وغير محددة فهي تشمل حالات من المسلم به أنها لا تعتبر سرقة،مثال ذلك حالة تقديم طعام أو شراب
إلى شخص في مطعم ،فيتناوله ثم يفر دون دفع الثمن،وقد عاقب المشرع العماني على هذه الحالة بالمادة (289/2)جزاء.
الفرض الثاني:النظرية الحديثة:
يرى جارسون أن تعريف الإختلاس على أنه أخذ المال أو نزعه من صاحبه دون رضاه أو نقله
من مكانه،لا يكفي لبيان حقيقة الإختلاس وأقترح حتى يكون معيار الإختلاس محددا،أن يتم الربط بين فعل أخذ المال وبين
الحيازة القانونية وفق القانون المدني .وينطلق جارسون لشرح نظريته من عرض نوعي الحيازة القانونية،الحيازة الكاملة
والحيازة الناقصة ثم يلحق بهما صورة اليد العارضة على الشيء:-
1. الحيازة الكاملة:
تفترض الحيازة الكاملة أن يكون الشيء في حوزة الشخص بإعتباره مالكا له أو مدعيا
ملكيته،ويتوافر فيها عنصران:عنصر مادي"وهو مجموعة الأفعال التي تُكون الحيازة،كحبس الشيء واستعماله ونقله".وعنصر
معنوي"وهو إرادة الظهور على الشيء بمظهر المالك والتصرف فيه لحسابه الخاص .
2. الحيازة الناقصة:
تكون لمن يحوز الشيء بمقتضى سند من القانون يخوله الجانب المادي في الحيازة فقط،دون أن
يكون لديه قصد إمتلاكه، كالمستأجر والمستعير فهولاء يكون لهم سيطرة فعلية على الشيء بمقتضى العقد ولكن دون
الإعتراف لهم بحق الملكية .
3. اليد العارضة
تفترض اليد العارضة أن الشيء موجود بين يدي الشخص دون أن يكون له أن يباشر عليه أي حق
لا لحسابه ولا لحساب غيره،فلا يتوافر للحيازة أي من عنصريها المادي أو المعنوي
.
وانتهى جارسون بعد عرض هذه الحالات إلى تعريف الإختلاس بأنه"الإستيلاء على حيازة الشيء بعنصريها المادي
والمعنوي في وقت واحد دون رضاء المالك أو الحائز السابق.فإذا استولى شخص على شيء في حيازة غيره عد سارقا،أما
إذا استولى شخص على شيء في حيازته فإنه لا يعد كذلك.فالضابط في وجود الإختلاس يتمثل في تحقق الإستيلاء على
الحيازة القانونية للشيء دون رضاء المالك أو الحائز،سواء كان الشيء في حيازة المجني عليه أم كانت تحت اليد العارضة للجاني .